www.7oab .com



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

www.7oab .com

www.7oab .com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
www.7oab .com

love


    تأملات في أحسن القصص (قصص من السنة النبوية الشريفة)

    admin
    admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 77
    تاريخ التسجيل : 18/02/2010
    العمر : 32
    الموقع : https://7oab.ahlamountada.com/forum.htm

    تأملات في أحسن القصص (قصص من السنة النبوية الشريفة) Empty تأملات في أحسن القصص (قصص من السنة النبوية الشريفة)

    مُساهمة  admin الخميس مارس 04, 2010 2:15 pm

    (1)

    ''أرض التوبة''

    عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم أنه قال :
    (كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على راهب ، فأتاه) .

    القاتل (نادماً) : إني قتلت تسعة وتسعين نفساً ، فهل لي من توبة ؟


    الراهب (في غباوة وجهل) : لا .

    الرجل يقتل الراهب فيكمل به المائة .

    ثم يسأل عن أعلم أهل الأرض ، فيدلونه على رجل عالم .

    القاتل : إني قتلت مائة نفس ، فهل لي من توبة ؟

    العالم ( في ثقة) : نعم ، ومن يحول بينك وبين التوبة !! انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فأعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء .

    (ينطلق الرجل حتى إذا نصف الطريق-وصل نصفه- أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب) .

    ملائكة الرحمة : جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى .

    ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط .

    (يأتيهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم) .

    الملك (يحكم) : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له .

    (الملائكة تقيس ما بين الأرضين فتجد التائب أقرب إلى الأرض التي أرادها بشبر ، فتقبضه ملائكة الرحمة) .


    من فوائد القصة :


    قال الله تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .

    1-المذنب لا ييأس من رحمة الله ، ولو ملأ الأرض ذنوباً ، بل يجب عليه أن يتوب إلى ربه حالاً ، قال الله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} .

    2-لا بد للجاهل من سؤال عالم بالكتاب والسنة حتى يحل مشكلاته .


    3-لا يجوز للعابد أن يفتي الناس إذا كان جاهلاً ، ولو تزيا بزي العلماء ، فإن ضرره أكثر من نفعه ، وقد يعود بالوبال عليه كما في هذه القصة ، ولو كان هذا الراهب عالماً لما سد باب التوبة على من سأله ، ولما عرض نفسه للقتل .


    4-العالم : هو الذي يفتح للناس باب التوبة ، ويغلق باب القنوط من الرحمة ، فهو كالطبيب يأخذ بيد المريض نحو الشفاء ، ويفتح له باب الرجاء) .


    5-على المذنب إذا أراد توبة أن يهجر أصحابه الذين اشترك معهم في الذنب ، وأن يهجر الأماكن التي يرتادها للمعصية .


    6-على التائب أن يرافق الصالحين ليعتاد فعل الطاعات وترك السيئات ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل) .


    7-التحاكم إلى عالم بالكتاب والسنة مشروع عند الاختصام .


    8-لا تحتقر مذنباً مهما فعل ، لأنك لا تدري بم يختم له : ففي الحديث : ( أن الرجل ليعمل عمل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ، وأن الرجل ليعمل عمل النار فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة ) - زاد البخاري ( وإنما الأعمال بخواتيمها) .

    __________________




    (2)


    ''قصة سمع الله لمن حمده''




    عندما فُرضت الصلاة على المسلمين كانو يقولون ' الله اكبر ' عند الرفع من الركوع حتى حدتث هذه القصة والقصة بإختصار ان ابوبكر الصديق رضى الله عنه تأخر - على غير العادة - عن صلاة الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم



    وبينما هو رضى الله عنه في طريقه إلى المسجد كان يدعو الله ان يدرك صلاة الجماعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين وعندما دخل المسجد أدرك النبي راكعاً (( فحمِد الله على ذلك )) فأُوحى للنبي صلى الله عليه وسلم اثناء الركوع ان يقول ' سمع الله لمن حمده ' عند قيامه من الركوع بدلاً من ' الله اكبر ' كما كان يفعل المسلمين من
    قبل ففهِم ابوبكر الصديق رضى الله عنه بأنه المقصود من ذلك فقال رضى الله عنه عند رفعه من الركوع ' ربنا ولك الحمد ' .



    فأصبحت تلك الكلمات سنة مؤكدة في الصلاة ، فسبحان الله مواقف ايمانية تختزل آلاف السنون لتقشعر لها الأبدان وتدرف الأعين بدموعاً طعمها طعم الدنيا وزينتها




    __________________






    (3)

    ''ماشطة بنت فرعون''


    لم يحفظ التاريخ اسمها، لكنه حفظ فعلها....

    امرأة صالحة كانت تعيش هي وزوجها.. في ظل ملك فرعون.

    وجها مقرب منه.. وهي خادمة ومربية لبنات فرعون، منّ الله عليهما بالإيمان.. فلم يلبث فرعون أن علم بإيمان زوجها فقتله، ولكن بقيت الزوجة تعمل في بيت فرعون تمشط بنات فرعون.. وتنفق على أولادها الخمسة.. تطعمهم كما تطعم الطير أفراخها..

    فبينما هي تمشط ابنة فرعون يوماً.. إذ وقع المشط من يدها..فقالت: بسم الله، فقالت ابنة فرعون: الله.. أبي؟ فصاحت الماشطة بابنة فرعون: كلا.. بل الله.. ربي.. وربُّك.. وربُّ أبيك، فتعجبت البنت أن يُعبد غير أبيها..ثم أخبرت أباها بذلك.. فعجب أن يوجد في قصره من يعبد غيره

    فدعا بها.. وقال لها: من ربك ؟

    قالت : ربي وربك الله فأمرها بالرجوع عن دينها.. وحبسها.. وضربها.. فلم ترجع عن دينها.. فأمر فرعون بقدر من نحاس فمُلئت بالزيت.. ثم أُحمي.. حتى غلاوأوقفها أمام القدر.. فلما رأت العذاب.. أيقنت أنما هي نفس واحدة تخرج وتلقى الله تعالى.. فعلم فرعون أن أحب الناس أولادها الخمسة.. الأيتام الذين تكدح لهم.. وتطعمهم.. فأراد أن يزيد في عذابها فأحضر الأطفال الخمسة.. تدور أعينهم.. ولا يدرون إلى أين يساقون.

    فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون.. فانكبت عليهم تقبلهم وتشمهم وتبكي.. وأخذت أصغرهم وضمته إلى صدرها.. وألقمته ثديها، فلما رأى فرعون هذا المنظر..أمر بأكبرهم.. فجره الجنود ودفعوه إلى الزيت المغلي.. والغلام يصيح بأمه ويستغيث.. ويسترحم الجنود.. ويتوسل إلى فرعون.. ويحاول الفكاك والهرب وينادي إخوته الصغار.. ويضرب الجنود بيديه الصغيرتين.. وهم يصفعونه ويدفعونه.. وأمه تنظر إليه.. وتودّعه.

    فما هي إلا لحظات.. حتى ألقي الصغير في الزيت.. والأم تبكي وتنظر.. وإخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغيرة.. حتى إذا ذاب لحمه من على جسمه النحيل.. وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت.. نظر إليها فرعون وأمرها بالكفر بالله.. فأبت عليه ذلك.. فغضب فرعون.. وأمر بولدها الثاني، فسحب من عند أمه وهو يبكي ويستغيث.. فألقي في الزيت.. وهي تنظر إليه.. حتى طفحت عظامه بيضاء واختلطت بعظام أخيه.. والأم ثابتة على دينها..موقنة بلقاء ربها، ثم أمر فرعون بالولد الثالث فسحب وقرب إلى القدر المغلي ثم حمل وغيب في الزيت.. وفعل به ما فعل بأخويه، والأم ثابتة على دينها.. فأمر فرعون أن يطرح الرابع في الزيت.

    فأقبل الجنود إليه.. وكان صغيراً قد تعلق بثوب أمه.. فلما جذبه الجنود.. بكى وانطرح على قدمي أمه.. ودموعه تجري على رجليها.. وهي تحاول أن تحمله مع أخيه.. تحاول أن تودعه وتقبله وتشمه قبل أن يفارقها.. فحالوا بينه وبينها.. وحملوه من يديه الصغيرتين.. وهو يبكي ويستغيث.. ويتوسل بكلمات غير مفهومة.. وهم لا يرحمونه.. وما هي إلا لحظات حتى غرق في الزيت المغلي.

    وغاب الجسد
    وانقطع الصوت

    وشمت الأم رائحة اللحم.. وعلت عظامه الصغيرة بيضاء فوق الزيت يفور بها، تنظر الأم إلى عظامه.. وقد رحل عنها إلى دار أخرى وهي تبكي.. وتتقطع لفراقه، طالما ضمته إلى صدرها.. وأرضعته من ثديها، طالما سهرت لسهره.. وبكت لبكائه، كم ليلة بات في حجرها.. ولعب بشعرها

    كم قربت منه ألعابه.. وألبسته ثيابه

    جاهدت نفسها أن تتجلد وتتماسك.. فالتفتوا إليها.. وتدافعوا عليها.. وانتزعوا الخامس الرضيع من بين يديها.. وكان قد التقم ثديها.. فلما انتزع منها.. صرخ الصغير.. وبكت المسكينة.. فلما رأى الله تعالى ذلها وانكسارها وفجيعتها بولدها.. أنطق الصبي في مهده وقال لها:يا أماه اصبري فإنكِ على الحق.

    ثم انقطع صوته عنها.. وغيِّب في القدر مع إخوته.. ألقي في الزيت.. وفي فمه بقايا من حليبها، وفي يده شعرة من شعرها، وعلى أثوابه بقية من دمعها، وذهب الأولاد الخمسة.. وهاهي عظامهم يلوح بها القدر..ولحمهم يفور به الزيت.

    تنظر المسكينة.. إلى هذه العظام الصغيرةعظام من؟

    إنهم أولادها.. الذين طالما ملئوا عليها البيت ضحكاً وسرورا.
    إنهم فلذات كبدها.. وعصارة قلبها.. الذين لما فارقوها.. كأن قلبها أخرج من صدرها.. طالما ركضوا إليها.. وارتموا بين يديها.. وضمتهم إلى صدرها.. وألبستهم ثيابهم بيدها.. ومسحت دموعهم بأصابعها، ثم هاهم يُنتزعون من بين يديها.. ويُقتلون أمام ناظريها..

    وتركوها وحيدة وتولوا عنها.. و عن قريب ستكون معهم، كانت تستطيع أن تحول بينهم وبين هذا العذاب.. بكلمة كفر تسمعها لفرعون.. لكنها علمت أن ما عند الله خير وأبقى.

    ثم.. لمّا لم يبق إلا هي.. أقبلوا إليها كالكلاب الضارية.. ودفعوها إلى القدر.. فلما حملوها ليقذفوها في الزيت.. نظرت إلى عظام أولادها.. فتذكرت اجتماعها معهم في الحياة.. فالتفتت إلى فرعون وقالت: لي إليك حاجة

    فصاح بها وقال: ما حاجتك ؟

    فقالت: أن تجمع عظامي وعظام أولادي فتدفنها في قبر واحد

    ثم أغمضت عينيها.. وألقيت في القدر.. واحترق جسدها.. وطفت عظامها

    لله درّها..

    ما أعظم ثباتها.. وأكثر ثوابها..

    ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء شيئاً من نعيمها.. فحدّث به أصحابه وقال لهم فيما رواه البيهقي: لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة، قلت: ما هذه الرائحة؟ فقيل لي: هذه ماشطة بنت فرعون وأولادُها

    الله أكبــر

    تعبت قليلاً.. لكنها استراحت كثيراً..

    مضت هذه المرأة المؤمنة إلى خالقها.. وجاورت ربها

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها

    وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: من دخل الجنة ينعم لا يبؤس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه. وله في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر..ومن دخل إلى الجنة نسي عذاب الدنيا

    ولكن لن يصل أحد إلى الجنة إلا بمقاومة شهواته.. فلقد حفت الجنة بالمكاره.. وحفت النار بالشهوات.. فاتباع الشهوات في اللباس.. والطعام.. والشراب.. والأسواق.. طريق إلى النار.. قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات

    فاتعبي اليوم وتصبَّري.. لترتاحي غداً
    فإنه يقال لأهل الجنة يوم القيامة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ‏

    أما أهل النار فيقال لهم: اَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ

    صدق الله العظيم




    (4)

    قصة نبي الله يوشع بن نون

    شرع الله عز وجل الجهاد والقتال في سبيله لمقاصد عظيمة ،وغايات نبيلة ،منها إعزاز الدين ،وتعبيد الناس لله رب العالمين ،وإزالة الحواجز والقيود التي تحول بين الناس وبين الدعوة وقيام الحجة ،ليهلك من هلك عن بينة ،ويحيى من حي عن بينة .
    والجهاد عبادة كغيرها من العبادات ،تحتاج لكي تؤتي أكلها ،ويجني العبد ثمارها ألا يقدم عليها إلا وهو في حالة من التهيؤ النفسي ،والتفرغ القلبي من الشواغل والملهيات التي تحول بينه وبين أداء هذه العبادة وتحقيق مقاصدها على الوجه الأكمل ،وقد قص النبي- صلى الله عليه وسلم- علينا قصة نبي من أنبياء بني إسرائيل خرج للجهاد والغزو وذلك في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

    قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( غزا نبي من الأنبياء ،فقال لقومه : لا يتبعْني رجل ملك بُضْعَ امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ،ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها ،ولا أحد اشترى غنما أو خَلِفاتٍ وهو ينتظر ولادها ،فغزا فدنا من القرية صلاةَ العصر أو قريبا من ذلك ، فقال للشمس : إنك مأمورة وأنا مأمور ،اللهم احبسها علينا ،فحُبِسَتْ حتى فتح الله عليه ، فجمع الغنائم ،فجاءت - يعني النار- لتأكلها فلم تطْعَمْها ،فقال : إن فيكم غُلولا ،فليبايعني من كل قبيلة رجل ،فلَزِقَتْ يد رجل بيده ،فقال : فيكم الغُلول ،فليُبَايِعْني قبيلتك ،فلَزِقَتْ يد رجلين أو ثلاثةٍ بيده ،فقال : فيكم الغُلُول ،فجاءوا برأسٍ مثل رأس بقرة من الذهب ،فوضعوها فجاءت النار فأكلتها ،ثم أحلَّ الله لنا الغنائم ،رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا ) .

    هذه قصة نبي من أنبياء بني إسرائيل ،وهو نبي الله يوشع بن نون ،الذي صحب موسى عليه السلام في حياته ،وسار معه إلى الخضر ،في القصة المعروفة في سورة الكهف ،وبعد وفاة موسى عليه السلام أوحى الله إلى يوشع بن نون ،واستخلفه على بني إسرائيل ،وفتح على يده الأرض المقدسة .

    وفي يوم من الأيام خرج هذا النبي غازيا لفتح إحدى القرى ، وقبل خروجه حرص على أن لا يتبعه في غزوته تلك إلا من تفرغ من جميع الشواغل ، والارتباطات الدنيوية التي من شأنها أن تقلق البال وتكدر الخاطر ، وتعيق عن الجهاد والتضحية في سبيل الله .

    فاستثنى من جيشه ثلاثة أصناف من الناس : الأول رجل عقد نكاحه على امرأة ولم يدخل بها ، والثاني : رجل مشغول ببناء لم يكمله ،والثالث رجل اشترى غنما أو نوقا حوامل وهو ينتظر ولادها ،فإن الذي انشغل بهذه الأمور وتعلق قلبه بها لن يكون عنده استعداد لأن يثبت في أرض المعركة ويتحمل تبعات القتال ، بل ربما كان سببا للفشل والهزيمة .

    ولما خرج متوجها نحو القرية ،دنا منها وقت صلاة العصر أو قريباً منه ، وكان الوقت المتبقي إلى الغروب لا يتسع للقتال ، فقد يدخل عليه الليل قبل أن ينهي مهمته ، واليوم يوم جمعة ، وبدخول الليل يحرم القتال على بني إسرائيل الذين حرم عليهم الاعتداء في السبت .

    وعندها توجه يوشع إلى الشمس مخاطباً لها بقوله : إنك مأمورة وأنا مأمور ،ثم دعا الله عز وجل أن يحبسها عليهم ، فأخر الله غروبها وحبسها حتى تم له ما أراد وفتح الله عليه .

    وقد كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلنا ،فكانت تجمع كلها في نهاية المعركة في مكان واحد ،ثم تنزل نار من السماء ،فتأكلها جميعا ،وهي علامة قبول الله لتلك الغنائم ، فإن غل أحدٌ منها شيئاً لم تأكلها النار ، فجمعت الغنائم وجاءت النار فلم تأكل منها شيئاً ،فعرف نبي الله يوشع أن هنالك غلولاً وأخبر جيشه بذلك ، ثم أمر بأن يبايعه من كل قبيلة رجل ،فلصقت يده بيد رجل من القبيلة التي فيها الغلول ،فعرف أن الغالِّين هم من هذه القبيلة ،وطلب أن يبايعه كل فرد من أفرادها على حدة ،فلصقت يده بيد رجلين أو ثلاثة وكانوا هم أصحاب الغلول ،فأمرهم بإحضار ما أخذوه ،فجاءوا بقطعة كبيرة من الذهب على شكل رأس بقرة ،فلما وضعت مع الغنائم جاءت النار فأكلتها .
    وقد منَّ الله عز وجل على هذه الأمة ، فأحل لها الغنائم التي كانت محرمة على من قبلها من الأمم ،وستر عنها أمر الغلول ،وفضيحة عدم القبول ،وهو من خصائص أمة محمد عليه الصلاة والسلام .


    إن هذه القصة تبين لنا جانباً من جوانب الإعجاز الإلهي ، والقدرة الربانية وأنه سبحانه هو المتصرف في هذا الكون وبيده الملك والخلق والتدبير ، وبالتالي فهو المستحق للعبادة وحده ، كما أنها تظهر تأييد الله لرسله ، وإعانته لهم على القيام بما أوكل إليهم من مهام .

    ومن خلالها يتبين لنا أن المهمات الكبرى ، والقضايا المصيرية التى يرتبط بها عز الأمة ونصرها ، ينبغي ألا تفوَّض إلا لحازم فارغِ القلب ، لم تأسره الدنيا ، ولم يشغله المعاش ، ولم تلهه الشهوات ، لأن المتعلق بأمور الدنيا ،وشؤون الحياة والمعاش ، قد يضعف عزمه عن المواجهة والإقدام ،والقلب إذا تشعبت به الهموم ضعُف عمل الجوارح ،وإذا اجتمع قوي عملها وتوحد الهم ، وهو معنى جليل يحتاجه العبد في سيره إلى الله تعالى ، فهو بحاجة إلى يوحد همومه ويجمع قلبه لكي يصح سيره ، وتتضح وجهته ، وإلا تشعبت به الهموم ولم يبق للآخرة منها شيء ، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى هذا المعنى في قوله : ( من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد ، كفاه الله هم دنياه ، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا ، لم يبال الله في أي أوديته هلك ) رواه ابن ماجه ، وقوله : ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه ، جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ) رواه الترمذي

    للهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ مقاصدنا ولا مبلغنا من العلم
    اللهم انفعنا بما علمتنا و علمنا ما ينفعنا و زدنا علما نافعا
    حسبنا الله و نعم الوكيل


    __________________
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغَتْهُ نملةٌ ، فأمر بجهازه فأُخرج من تحتها ، ثم أمر ببيتها فأُحرق بالنار ، فأوحى الله إليه : فهلا نملةٌ واحدة ؟ ) متفق عليه .

    وفي رواية لمسلم : ( فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ؟ ) .


    معاني المفردات


    فأمر بجهازه : الجهاز هو المتاع
    فلدغته : أي قرصته
    فهلا نملة واحدة : فهل اكتفيت بنملة واحدة
    أفي أن قرصتك نملة : أمن أجل نملة واحدة قرصتك


    تفاصيل القصة

    ( الإصلاح ) قضيّةٌ تلتقي فيها الديانات السماويّة كلّها ، ومحورٌ تدور حوله مناهجها وشرائعها ، فقد جاءت التوجيهات والنصائح تدعو إلى إعمار الكون وتوجيه الطاقات البشريّة نحو البناء لا الهدم ، والتشييد لا التخريب ، وإن الدعوة إلى المحافظة على صور الحياة وأشكالها ، والمناداة برعايتها والاهتمام بها ، خير شاهد على ذلك .
    وعلى العكس ، فإن الفساد والإفساد في الأرض مهما كان نوعه أو بلغ حجمه ، فإنه سلوك مرفوض يبغضه الله تعالى وتأباه الفطر السليمة ، كما جاء تقريره في قوله تعالى : { والله لا يحب الفساد } ( البقرة : 205 ) .

    وتأسيسا لما تقدّم ، يعرض لنا النبي – صلى الله عليه وسلّم – في الحديث المتّفق على صحّته ، قصّة نبيّ بُعث في الأمم السابقة ، جاءه العتاب الإلهيّ حينما أهلك قريةً كاملة من النمل!! .

    كان هذا في يومٍ سار فيه ذلك النبيّ الكريم في بعض حاجته حتى أضناه المسير ، فنزل تحت شجرةٍ طلباً للراحة وتجديد النشاط ، ثم جعل متاعه على مقربة منه .
    ويقدّر الله أن يجلس ذلك النبي فوق قريةٍ من قرى النمل ، فانطلقت إحداها مدفوعةً بغريزتها لتحمي مملكاتها ، فكان أن قرصت النبي قرصةً آلمته .

    ويبدو أن تلك القرصة كانت مؤلمة للغاية ، إلى حدٍّ جعلت النبيّ يغضب غضباً شديداً ، فلم يكتف بقتل تلك النملة جزاءً على أذيّتها ، بل أمر بإحراق القرّية كلّها .
    ويوحي الله إلى ذلك النبي معاتباً وموبّخا : ألأجل نملةٍ واحدةٍ آذتك في نفسك ، تُهلك أمّة كاملة تسبّح الله في غدوّها وعشيّها ؟ .


    وقفات مع القصّة

    ما أعظم اللمحة التربويّة التي تحملها هذه القصّة ، إنها إشراقةٌ أخلاقيّةٌ ترقى بسلوك المؤمن إلى أعلى مستوى يمكن أن تصل إليه ، وتفجّر بين جنباته معاني الإحساس بالمسؤوليّة واستشعار المراقبة الذاتيّة ؛ ومن تربّى على التحرّز من قتل نملة واحدة بغير حقّ ، لا يمكنه أن يفكّر مجرّد تفكير أن يسفك دماً حراماً ، أو يأكل أموال الناس بالباطل ، أو يعيث في الأرض فساداً وإهلاكاً .

    كما أن في الحديث توجيهٌ إلهيٌّ للنبي نحو الأليق بمقام نبوّته والأنسب لمكانته ، بأن يتعامل مع الموقف بروح الصبر والمسامحة ، بدلاُ من الانتقام للنفس وإهلاك جميع النمل بذنب واحدة ، كما ذكر ذلك الإمام القرطبي .

    ويبدو من السياق أن التعذيب بالنار كان جائزاً في الأمم السابقة ، فإن العتاب لم يقع في أصل القتل أو الإحراق ، ولكن في الزيادة على النملة الواحدة ، ثم استقرّ الأمر في شريعة الإسلام على حرمة التعذيب بالنار كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( لا يعذب بالنار إلا رب النار ) رواه أحمد ، كما ورد النهي عن قتل النمل بخصوصه في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل أربعٍ من الدواب : النملة ، والنحلة ، والهدهد ، والصُرَد – وهو نوعٌ من أنواع الطيور الجارحة - ، رواه أحمد .

    في حين جاء الأمر بقتل جملة من الحيوانات المؤذية بطبعها لكثرة ضررها وفسادها ، فأمر بقتل الفأرة – وسمّاها فويسقة - ، والعقرب ، والغراب ، والحدأة – نوعٌ من الطيور - ، والكلب العقور ، والوزغ ، وغير ذلك مما جاء في السنّة .

    وقضية أخيرة يحملها الحديث : وهي أن الكون بجميع مخلوقاته قد دان بالعبوديّة لله وحده وأسلم له طوعاً واختياراً ، واعترف بقدره وقهره ، وكماله وسلطانه ، أفلا يكون ابن آدم الذي ميّزه الله بالعقل والإدراك ما استدلّ به على وجود خالقه ووحدانيّته ، أولى بالعبودية وأحرى بالتسبيح والتنزيه؟

    __________________





    عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن ثلاثة في بني إسرائيل (أبرص وأقرع وأعمى) أراد الله أن يبتليهم (يختبرهم) فبعث إليهم ملكاً .

    (يأتي الملك الرجل الأبرص)

    الملك : أي شئ أحب إليك ؟

    الأبرص : لون حسن ، وجلد حسن ، ويذهب عن الذي قد قذرني الناس .

    (يمسحه الملك ، فيذهب عنه قذره ، ويعطي لوناً حسناً ، وجلداً حسناً)

    الملك : فأي المال أحب إليك ؟

    الأبرص : الإبل .

    (يعطي ناقة عشراء ( حاملاً)

    الملك : بارك الله لك فيها .

    (يأتي الملك الرجل الأقرع) .

    الملك : أي شئ أحب إليك ؟

    الأقرع : شهر حسن ويذهب عن الذي قذرني الناس .

    (يمسحه الملك فيذهب عنه داؤه ويعطي شعراً حسناً) .

    الملك : فأي المال أحب إليك ؟

    الأقرع : البقر .

    (يعطى بقرة حاملاً) .

    الملك : بارك الله لك فيها .

    (يأتي الملك الرجل الأعمى) .

    الملك : أي شئ أحب إليك ؟

    الأعمى : أن يرد الله إلى بصري ، فأبصر به الناس .

    (يمسحه الملك ، فيرد الله إليه بصره)

    الملك : فأي المال أحب إليك .

    الأعمى : الغنم .

    (يعطى شاة والداً حاملاً)

    كان لهذا وادٍ من الإبل ، ولهذا وادٍ من البقر ، ولهذا وادٍ من الغنم)

    (يأتي الملك الرجل الأبرص في صورة أبرص)

    الملك : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلغ عليه في سفري (أصل به إلى أهلي)

    الأبرص (في ضيق) : الحقوق كثيرة .

    الملك (في استغراب) : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يقذرك الناس . فقيراً فأعطاك الله .
    الأبرص ( في إنكار) : إنما ورثت هذا المال كابر عن كابر . (أباً عن جد)

    الملك : إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت .

    (ثم يأتي الملك الرجل الأقرع في صورة أقرع)

    الملك : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبار في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك الشعر الحسن والمنظر الحسن والمال ، بقرة أتبلغ بها في سفري .

    الأقرع (في ضجر) : الحقوق كثيرة .

    الملك (متعجباً) : كأني أعرفك ، ألم تكن أقرع يقذرك الناس ؟

    الأقرع (في استكبار) : إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر ( أباً عن جد)

    الملك : إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت .

    (يأتي الملك الرجل الأعمى في صورة أعمى)

    الملك : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبار في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك ـ شاة أتبلغ بها في سفري .

    الأعمى ( شاكراً معترفاً) : قد كنت أعمى فرد الله إلىّ بصري ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فوالله لا أجهدك اليوم ( لا أعارضك) بشئ أخذته لله عز وجل .

    الملك : أمسك مالك ، فإنما أبتليتم ( اختبرتم) فقد رضي الله عنك ، وسخط على صاحبيك .

    من عبرة القصة وفوائدها


    1-اختبار الله لعباده ، سنة الله في أرضه ، كما أخبر الله به في كتابه .

    2-الابتلاء يكون في الجسم والمال والأولاد وغيرها .

    3-الملائكة تتصور أحياناً على هيئة البشر ، وتتكلم ، وتمسح على المريض فيبرأ بإذن الله .

    4-لا شئ أحب للمبتلى بالمرض من ذهاب مرضه ومعافاته .

    5-الله هو الذي يعطي ويمنع ، ويغني ويفقر ، بتقديره وحكمته .

    6-من التوحيد والأدب أن تنسب الشفاء والغنى إلى الله وحده ( قد كنت أعمى فرد الله بصري) .

    7-الإنسان الجاهل يبخل وقت الغنى ، والعاقل يعطى بسخاء متذكراً قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً )

    8-بعض الأغنياء ينسون ماضيهم الفقير ويغضبون ممن يذكرهم به .

    9-من شكر النعمة ، وأعطى الفقراء زاده الله غنى ، وبارك له ، ومن بخل فقد عرض نفسه لزوال النعمة وسخط الرب القائل : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) .

    10-إنكار النعمة يجلب النقمة ، ويسبب الشقاء .

    11-الكرم يجلب النعمة ويذهب بالنقمة ، ويرضي الرب ، والبخل يجلب السوء ويسخط الرب .

    12-المؤمن يفي بما وعد ولا يبخل ، والمنافق يعاهد ويعد ، ولكن لا يفي بعهده ووعده ، كما قال الله تعالى عن المنافقين : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أئتمن خان)



    و مازال في الحديث بقيه ان كان في العمر بقيه ان اراد الله تعالى ان شاء الله


    __________________


    اتخذت رجلين من خشب

    نصّ الحديث
    عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( كانت امرأة من بني إسرائيل قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين ، فاتخذت رجلين من خشب ، وخاتماً من ذهب مغلق مطبق ، ثم حشته مسكاً - وهو أطيب الطيب - ، فمرّت بين المرأتين فلم يعرفوها ، فقالت بيدها هكذا - ونفض شعبة يده - ) رواه مسلم .
    وفي رواية لأحمد : ( فكانت إذا مرت بالمجلس حركته فنفح ريحه ) .
    وعند ابن حبان في صحيحه : ( فاتخذت لها نعلين من خشب ) .

    وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ ما تكلف امرأة الغني . فذكر امرأة من بني اسرائيل كانت قصيرة ، واتخذت رجلين من خشب ، وخاتماً له غلق وطبق ، وحشته مسكاً ، وخرجت بين امرأتين طويلتين أو جسيمتين ، فبعثوا إنساناً يتبعهم ، فعرف الطويلتين ، ولم يعرف صاحبة الرجلين من خشب ) رواه ابن خزيمة .





    معاني المفردات

    رجلين من خشب : أي نعلين من الخشب كما جاء في الرواية الأخرى
    فقالت بيدها هكذا : يعني حرّكت يديها لتفوح رائحة العطر
    خاتماً له غلق وطبق : أي خاتماً محكم الإغلاق وعليه غطاء
    جسيمتين : الجسيم : عظيم الجثّة


    تفاصيل القصّة

    من سنن الله الكونية ألا تبلغ الحضارات الإنسانيّة أوجّ عزّها ، ولا ترتقي إلى قمّة مجدها ، إلا حين تتّخذ من الأخلاق الفاضلة ، ومعاني العفّة والطهارة ، سياجاً يحيط بها ، وفي المقابل أيضاً لا ترى التراجع والوهن يبدأ في أمّة من الأمم إلا حين تنسلخ من القيم والمُثُل العليا ، وتفشو في أفرادها مظاهر الترف والبذخ ، والبحث عن المظاهر الكاذبة والتصنّع الزائف ، حتى تأتي اللحظة التي تنهار فيها ، وتزول عن الوجود .
    والنبي – صلى الله عليه وسلم – يعرض من خلال القصّة التي بين يدينا ، جانباً من جوانب الفساد الاجتماعي والافتتان بزخارف الدنيا ، والذي أودى بالمجتمع الإسرائيلي مهاوي الردى ، وكان سبباً في تسلّط أعدائهم عليهم .
    وقد ظهرت بوادر الفساد الاجتماعي في تلك الأمّة بقوّة من خلال المبالغة في الاهتمام بالمظاهر ، فكان الإنفاق على الملابس والحلي وأنواع الزينة ومراسم الحفلات على أشدّه ، ولم يكن التسابق المحموم على تلك الأمور محصوراً بالطبقة الغنيّة القادرة ، بل اكتوى بنارها الفقراء والمعدمين ، سعياً لمجاراة الواقع الموجود ، ومع مطالب النساء وما جرّه من النفقات الباهظة ، كانت النتيجة الحتمية الغرق في دوّامة لا تنتهي من الديون والقروض الرّبوية .
    أما الصورة الأخصّ التي ذكرها النبي – صلى الله عليه وسلم – فهي حال امرأة من بني إسرائيل ، تملّكها الشعور بالحسرة على قصر قامتها ، ورأت في نفسها أنها أقل حظّاً في نيل إعجاب الرجال ولفت أنظارهم ، وكان الرجال من بني إسرائيل يرون الجمال في طول المرأة .
    وبدلاً من الرضى بقضاء الله وقدره ، ظلّت تفكّر زماناً طويلاً للبحث عن أفضل الطرق لجذب أنظار الناس إليها ، حتى اهتدى عقلها إلى حيلة تزيل ما تظنّه عيباً فيها ، فقد صنعت لها نعلين من الخشب تلبسهما تحت الثياب فيزيد من قامتها ، ويظهرها أمام الناس طويلة.
    وأمام الحيلة التي ابتكرتها ، تغيّر منظرها الخارجي ، فلم يتعرّف عليها الرجال ، وظنّوا أنها امرأة غريبة عن الديار ، بل أرسلوا أحدهم ليعلم عن هذا الوافد الجديد – بالنسبة إليهم – ويتقصّى حقيقتها فلم يفلح .
    وبذكائها أيضاً ، اتّخذت خاتماً من ذهب صنعته خصّيصاً عند أحد الصاغة ، وأمرته أن يجعل فيه تجويفاً له غطاء لتملأه مسكاً قوي الرائحة ، ثم كانت تذهب إلى مجامع الناس وتحرّك يدها ذات اليمين وذات الشمال ، فيفوح شذى العطر في أرجاء المكان ليسلب بعبقه ألباب الرجال وينال استحسانهم لها .
    والنبي – صلى الله عليه وسلم – إذ يعرض هذه القصّة ، يريد من المجتمع الإسلامي أن يحذر من تلك الآفات ويرفع من تطلّعاته وطموحاته ، ويوجّه تركيزه نحو إصلاح الباطن وتحسين الأخلاق ، وما قيمة المرء إلا بنبل صفاته ، وجميل أفعاله ، وبياض صفحته ، كما جاء تقرير ذلك في قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم .
    ونلمح أيضاً في ثنايا القصّة تحذير النبي – صلى الله عليه وسلم – من فتنة النساء ، وتفنّنهنّ في طرق الغواية والإضلال ، في ظلّ انتكاسة أخلاقيّة تنبيء بذوبان العفّة وقلّة المروءة ، وذهاب الغيرة من قلوب الرجال ، وما يؤدّيه من الفساد العظيم ، والشرّ المستطير .
    وكان الإشفاق من خطر هذه الفتنة هو ما أشغل بال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يزل يحذّر أمته من فتنة النساء ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( اتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) رواه أحمد .
    ومن هنا ، حرص الإسلام من خلال تعاليمه ومبادئه أن يحمي أفراده من بواعث الفتنة وأسبابها ، فنهى النساء عن مظاهر التبرّج والزينة ، ومنع من الاختلاط والخلوة المحرّمة ، ورتّب الوعيد الشديد على من خرجت من بيتها متعطّرة حتى ولو كانت ذاهبة إلى المسجد ، وبهذا الموقف الحازم والصارم ، يمكن للمجتمع المسلم أن يعيش في ظلٍّ من العلاقات الطاهرة ، والقائمة على أساسٍ من التقوى والصلاح ، والمراقبة الذاتيّة ، والله الموفّق


    __________________
    هل سمعت عن قصة الكفل ؟؟؟

    كان في بلد من البلدان في زمن بني إسرائيل رجل يُدعى "الكفل"، وكان يفعل ما يريد، ولا يبالي بحلال أو حرام، وكان أهل بلدته يعرفون عنه هذا، وإذا ما جاء اسمه على لسان بعضهم لا تجد أحداً منهم يذكره بخير.

    وفي ليلة من الليالي وبعد أن دخل كل واحد بيته، وأغلق بابه، إذا بالكفل يسمع طرقاً على بابه فقام ليفتح، فإذا به يفاجأ بامرأة يقطر منها الحياء، ويذوب وجهها خجلاً، فسألها عن سر مجيئها فأخبرته بأنها تمر بضائقة مالية شديدة، ولم تجد أمامها أحداً سواه لتقترض منه...

    وجد الكفل الفرصة سانحة أمامه... امرأة جاءته إلى داره بمحض إرادتها، وفي سكون الليل، ولا يراهما أحد من الناس، فتلطف معها وأدخلها داره، وأخبرها بأنه لا مانع لديه من إقراضها المال ولكن لديه شرط... أن تمكنه من نفسها.

    ألحت المرأة عليه ألا يفعل، فلم يلتفت إلى إلحاحها وتوسلاتها، فوافقت مرغمة، وهي تتقطع من داخلها، وعندما اقترب منها وجد فرائصها ترتعد، فسألها عن السبب، فأخبرته بأنها لم تفعل هذا الفعل من قبل، وأنها تخاف الله عز وجل وتخشى عقوبته وغضبه.

    هنا توقف الكفل، وابتعد عنها، فقد وقعت تلك الكلمات موقعها في نفسه، ولبث هنيهة، ثم قال لها: أنت تقولين هذا القول مع أنك مضطرة لذلك، فماذا عليَّ إذن أن أقول؟! ألست أنا أحق بالخوف من الله منك؟ ثم تركها تنصرف بعد أن أعطاها ما طلبته من مال.

    تركها لتذهب وهو يعيش في لحظات من الذهول... الألم يعتصره، والندم على ما فعله في حياته يسيطر عليه، لقد كانت كلمات المرأة عن الله كالزلزال الذي هز كيانه، واستخرج من ذاكرته شريط أحداث ماضيه، ذكرى أفعال سابقة، نسي فيها الله، وكلما تذكر موقفاً من مواقفه المخزية ازداد ندمه، واشتد ألمه، وعلا بكاؤه.

    في هذه الأثناء، وبينما هو في هذه الحالة، حدث أمر لم يكن في الحسبان... لقد جاء للكفل ضيف آخر.. لم يكن ذاك الضيف من بني البشر لقد جاءه ملك الموت ليقبض روحه وهو في أشد لحظات الندم والتوبة.

    جاءه ملك الموت ومعه الملائكة يزفون إليه بشرى مغفرة الله له ورضاه عنه.

    لقد قبل الله ندمه وعفا عنه، وفوق هذا الجود لم يتركه ليعيش بعد ذلك فقد يعود إلى سابق عهده من الظلم والطغيان، فقبض روحه في هذا الوقت لتكون النهاية السعيدة.

    ... نعم - أخي – حدث هذا، فربك رؤوف رحيم، يريد أن يعفو عنا جميعاً "والله يريد أن يتوب عليكم" (النساء:27)... يريد أن يُدخل الجميع الجنة {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} (البقرة:221).

    هل انتهت قصة الكفل عند ذلك؟

    لا تتعجب أخي مما حدث مع الكفل، فكل واحد من البشر يحمل بين جنبيه نفخة من روح الله القدسية، ولا يوجد مخلوق فيه هذه النفخة سوى البشر، فلا تستغرب ما حدث للكفل، فالله عز وجل ينتظر من جميع عباده أي التفاتة صادقة إليه ليقبل عليهم ويعفو عنهم ويدخلهم الجنة.






    القصة لم تنته بعد

    نعم... فقد حدث أمر عجيب لم يكن في الحسبان، فقد استيقظ الناس في الصباح وخرجوا من بيوتهم كعادتهم يلتمسون معايشهم، وأرزاقهم، فمر بعضهم بجوار بيت الكفل، فلفت نظره كلام مكتوب بخط واضح على بابه، فاقترب منه ليقرأه، ففغر فاه، ووقف مشدوهاً لا يكاد يصدق ما يراه، فقد وجد عبارة تقول: ((إن الله قد غفر للكفل)).

    تجمع الناس وقرءوا العبارة وهم غير مصدقين... طرقوا الباب فلم يفتح لهم أحد، ففتحوه عنوة ليجدوا الكفل قد مات، فازداد عجبهم وحيرتهم، فهرعوا إلى نبيهم ليسألوه عن أمر الكفل، فأوحى الله إليه بما حدث.


    فاشتد بكاء الناس ونحيبهم، وازدادوا حبًّا لربهم، وتعلقًا برحمته، بل ومسارعة إلى التوبة إليه.

    كان من الممكن أن تمرَّ هذه الحادثة ولا يعلم بها أحد، فالناس يموتون ولا يدري أحد بماذا ختم لهم، ولكن الرب الودود الذي يريد أن يطمئن الجميع ويدفعهم للفرار إليه أنزل هذه الآية لينتفع بها الناس، ويتفكروا في مغزاها، وما تدل عليه من سعة رحمة الله ومدى حبه لعباده، وأنه سبحانه ينتظر منهم أي بادرة صادقة للتوبة إليه فيقبل عليهم ويقبلهم ويمحو كل سيِّئ فعلوه.

    (ذا الكفل) الذي ذكر في القرآن الكريم هو غير (الكفل) الوارد في هذه القصة ، والتي جاءت في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال :
    كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله ، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال : ما يبكيك أكرهتك ؟ قالت : لا ، ولكنه عمل ما عملته قط ، وما حملني عليه إلا الحاجة ، فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته ، اذهبي فهي لك وقال : لا والله لا أعصي الله بعدها أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه إن الله قد غفر للكفل

    الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2496
    خلاصة الدرجة: حسن

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 5:17 am